الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المؤرخ علية عميرة الصغيّر يتحدّث عن النهضة وحزب التحرير وداعش وفجر ليبيا

نشر في  24 جوان 2015  (11:41)

تيار الإخوان المسلمين ولد وترعرع ومُوّل من المخابرات الانقليزية  والأمريكية

النداء في ورطة بسبب تصويره أن النهضة قد تغيرت و«تتونست»

إفراج الحكومة عن وليد القليب سيفتح الأبواب أمام ابتزاز جديد من الميليشيات الليبية

تطرق المؤرخ والأستاذ الباحث بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر والناشط السياسي المعروف علية عميرة الصغير، في هذا الحوار الصحفي الذي أجرته معه أخبار الجمهورية إلى عديد المحاور والمواضيع الهامة والراهنة ، فأعرب لنا عن وجه نظره من التيارات السياسية الدينية الموجودة في تونس على غرار حزب التحرير ونشاطه كما تحدث عن رؤيته لحركة النهضة وعن ممارساتها وعلاقتها بتنظيم الإخوان المسلمين وتنظيم فجر ليبيا ناهيك عن انعكاسات صفقة تسليم الليبي وليد القليب مقابل الإفراج عن الدبلوماسيين التونسيين.
كل هذه الحيثيات وغيرها من المسائل الهامة الأخرى تتابعونها معنا في هذا الحديث الشيق الذي جمعنا بالمؤرخ عميرة الصغير..

في البداية، ما هو تحليلك لمسار تاريخ العالم العربي الإسلامي في علاقة بجرائم الاغتيالات السياسية والصراعات؟
يتوجب التذكير للحقيقة التاريخية أن كل المجتمعات ومنذ العصور القديمة عرفت الاغتيالات السياسية ولذلك فان تاريخ المجتمعات العربية والإسلامية لا يمثل استثناء. فقط  الدول التي بلغت مرحلة الحداثة السياسية (دول الغرب بالأساس) تخطت في جانب كبير أسلوب إدارة الصراعات السياسية بالعنف وقتل المخالفين، بينما لا تزال مجتمعاتنا لم تحقق حداثتها ومرورها إلى دولة القانون أو ما يعرف بالدولة المدنية والنظام الديمقراطي. لكن الأصوليين عندنا بمختلف تسمياتهم، عن جهل منهم وعن تدبير يروجون صورة وردية وكاذبة لتاريخ السلف السياسي، تاريخ الدول الإسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى سقوط الخلافة سنة 1924 وينسون أن ثلاثة خلفاء راشدين تم اغتيالهم وأنّ الصراع ومدّ السيوف بين المسلمين قام بين المهاجرين والأنصار منذ وفاة الرسول.
النظرة الأسطورية للتاريخ تجعل السلفيين يستنجدون بالماضي ويجمّلونه كما يريدون إسقاطه على الواقع كنموذج للخلاص في الحاضر.
ـ ما هو تقييمك لتجربة الإسلام السياسي في العالم العربي؟
عبارة» الإسلام» مبهمة هنا، فان كنّا نعني الإسلام كدين وعقيدة ، أظن أنّ المسلمين من عامة الناس يعيشون دينهم دون تعقيد ويتعاملون مع طقوسه بكل أريحية وتساهل وهو يؤدي وظيفته في الاستجابة الروحية لحاجيات الناس وفي علاقتهم بالوجود وبما وراء الحياة، وان كنّا نقصد «الاسلام» بمفهوم نشاط سياسي يتغلّف بالدين فالأمر مختلف من بلد لآخر حسب نضج المجتمع وكذلك نضج نخبه وأيضا درجة انغراس قيم الحداثة فيه. لكن بصورة عامة ومنذ سبعينات القرن الماضي برزت للسطح تنظيمات الإسلام السياسي كاستجابة لانسداد الأفق التاريخي للدول وعدم قدرة نخبها التي آل لها الحكم على حل مشاكل شعوبها فظهرت تلك التنظيمات الاسلامويّة أو استفحلت حيث كانت موجودة منذ العشرينات من القرن الماضي، وتم ذلك بدفع واستعمال من الحكام داخل الدول العربية الإسلامية لضرب خصومها خاصة من اليساريين (حالة تونس منذ السبعينات في عهد بورقيبة وتشجيع «الجماعة الإسلامية» التي تطورت إلى الاتجاه الإسلامي ثم النهضة).
ـ بنظرك، هل ساهمت العوامل الداخلية للأنظمة العربية أيضا في ظهور هذه التيارات الإسلامية وتطورها؟
طبعا يجب ألا نتغافل عن العوامل الداخلية الأخرى من فشل التعليم وفشل السياسات الاجتماعية وتهميش جزء كبير من المجتمع وانسداد آفاق الشغل والحياة الكريمة كلها تربة خصبة لينبت فيها «الإسلام السياسي» ويعطي أملا كاذبا للمقهورين ولضحايا السياسات الرأسمالية، لكن الواقع التاريخي الحالي هو مُعولم ولا نفهم تطور ظاهرة الإسلام السياسي دون النظر إلى سياسات الدول الكبرى في إدارة الصراعات في العالم وفي استعمال القوى والتيارات المحلية وتوظيفها، وفي جملة موجزة نقول ان تيار الإخوان المسلمين مثلا ولد وترعرع وتموّل من المخابرات الانقليزية ثم الأمريكية في إطار الحرب الباردة ومحاربة الشيوعية وكذلك التيارات السلفية وأهمها «الوهابية» التي هي صنع بريطاني والدول القائمة عليها الآن تدعم هذه التيارات الإسلامية السياسية وبالوكالة عن مصالح الدول المسيطرة على العالم.
كيف ترى تجربة الإسلام السياسي في تونس وهل تعتبر أنه بدأ في «دمقرطة» ذاته؟
بعض الصحافيين والسياسيين وحتى من بين من يدّعون الثقافة ينشرون فكرة تريد أن تروّجها جماعة الغنوشي في تونس مفادها أنّ «النهضة» تغيّرت وأنّها تمقرطت وأنّها «تتونست» وليس هناك مشكلة في اعتبارها حزبا مدنيا وحتى التحالف معها والتطبيع مع خطابها وفي هذا الموقف إما جهل بحقيقة الخطاب المزدوج والمخادع لجماعة الإخوان في تونس، أي النهضة وأمثالها أو هو تخريجة لتمرير موقف سياسي مدبّر ومُملى حتى من الدوائر الخارجية بضرورة التحالف والحكم المشترك بين «الإسلاميين» و»العلمانيين».
وقد كنّا رددنا على هذا الادعاء في مقال بعنوان: «مثقفون بدرجة مفتي الحاكم»:«رأيناهم على بلاطوات التلفزات وعلى المنابر وعلى صفحات الصحف يقولون ويعيدون أنّ النهضة تغيّرت وأنها أضحت حزبا ديمقراطيّا وكذا غيرها من التنظيمات المتفرعة عنها وفي الحقيقة فانّ الأصوليّين الإسلاميين مهما اختلفت درجات تشدّدهم أو اعتدالهم يبقون معادين لقيم الدولة المدنيّة ولشروط الحداثة السياسيّة ولقيم العصر والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان بما أنهم يرفضون فصل الديني عن السياسي ويعتبرون دائما «الاسلام هو دين ودولة»... وأنّهم على حق...
وهاهم اليوم بعصا سحريّة لأنّ « النّداء» في ورطة أو قل «عادت حليمة لعادتها القديمة» يُفتون بأنّ الاسلاميّين تغيروا وأن حزب النهضة أصبح  حزبا ديمقراطيا!!
ـ إذن أنت تحمل المثقفين مسؤولية إقحام النهضة في دواليب الحكم و«الدمقرطة»؟
غريب أمر هؤلاء المثقفين، هل ذاكرتهم مثقوبة أم يقولون ما ليسوا به مقتنعين؟ كيف لحزب «النهضة» أن يُمنح شهادة في الأهلية الديمقراطية والوطنيّة وهو لم يقم بنقد ذاتي لما اقترف ماضيا وحاضرا وهو طيلة مداولات الدستور حاول تمرير كل القيم الأصولية التي تعرّف تيار الإخوان والسلفيّة عامة (الإسلام مصدر التشريع والمرأة مكمّلة للرجل، ورفض حرية الضمير...) ولم يُرغم على التنازل إلا بعد سقوط شهداء وتحركات مئات الآلاف في الشارع نساء ورجالا...وهو يعطي حاليّا « للذل كاره» فقط لأن تيّار الإخوان محاصر في العالم وخسر المعركة في مصر وفي سوريا وفي ليبيا وفي العراق وفي تونس...فيحاول أن يظهر بمظهر المسالم والحمل الوديع والكل يعلم أن يده كانت ولا تزال وراء استشراء الإرهاب والقتل والتكفير في تونس...
إنّه لم يتملّص ويعلن تبرّؤه من مرجعياته العقائدية الاخوانيّة التي تبرر الإرهاب وتكفير المخالفين (ابن تيميّة، حسن البنا، سيد قطب، المودودي..) والالتزام دائما بضرورة إرساء دولة الشريعة والحاكمية الالهية والتشريع بضرورة الثورة على الحاكم الذي لا يطبق شرع الله.
 فهاهو الغنوشي في كتابه «الحريات العامة في الدولة الاسلامية»(طبعة 2011، ص210) يكتب «منهم (الفقهاء) من أوجب الخروج على الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله و الذي يجاهر بالمعصية... فان طاعته غير لازمة وعلى كل فرد من الأمة أن يعمل للخلاص منه لأن وجوده على رئاسة الدولة يؤدي بحد ذاته إلى الفتنة حتى ولو كان ذلك عن طريق الاستعراض أي القتل غيلة...»
ـ ماهي نظرتك للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين وزعيمه يوسف القرضاوي؟
«الاخوان المسلمون» كتنظيم عالمي وواجهته الرسمية «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» والذي يرأسه الشيخ القرضاوي وينوبه في الرئاسة شيخ النهضة الغنوشي له فروعه في كل الدول الإسلامية تقريبا وحتى خارجها وفي تونس طبعا حزب النهضة،رغم ادّعائه انه مستقل عن الإخوان بينما تاريخه منذ أداء البيعة في السبعينات للتنظيم هذا ووجود صورة الغنوشي في مقره الرسمي بالقاهرة (قبل السيسي) ضمن قادة فروعه وممارساته ومواقفه الحالية كلها تصب في ذات الاتجاه من مناصرة مرسي المخلوع وشعار الأربعة أصابع لرابعة!!
 جماعة الإخوان هي أداة من أدوات الاستعمار الانقليزي سابقا وإرادة الهيمنة الأمريكية حاليا تموّله دُويلة قطر وغيرها من شيوخ النفط والأثرياء المحافظين عبر العالم وله علاقات مشبوهة بمخابرات هذه الدول في إطار تطبيق استراتجياتها العالمية وإفشال مسار الشعوب نحو الانعتاق والديمقراطية والانفكاك عن سيطرة النظام الليبرالي المتوحش...
ـ وكيف تقرؤون علاقة حركة النهضة بالتنظيم الإخواني؟
كنت أجبت في جانب عن هذا السؤال في ما سبق وأعيد القول ان حركة «النهضة» ما تزال على ولائها للأطروحات الاخوانية وحتى إن أضحت علاقاتها مع التنظيم الأم المضروب في مصر رخوة وليست مباشرة، القضية ليست تنظيمية فحسب بل هي قضية العقيدة السياسية للإخوان والمرجعية والتأصيل العقائدي لها...
هل أعلن جماعة الغنوشي أنهم يتبرؤون من فكر ابن تيميّة والبنا وسيد قطب والمودودي مثلا؟ وهل تخلوا عن الحاكمية الإلهية؟ أو عن مطلبهم «الإسلام دين ودولة» وهل اعترفوا بما اقترفوه منذ الثمانينات وقدموا نقدهم الذاتي عنه؟
 فممارساتهم تجاه المختلفين معهم ماضيا وحاضرا وخاصة الذين لا يشاركونهم عقيدتهم كلها تكذب ادعاءاتهم فليراجع مثلا المشككون ذاك الفيديو المسرّب عن لقاء الغنوشي بالسلفيين في 2012 أو تلك الاجتماعات مع الموالين وسيكتشف حقيقة ما يفكرون فيه وما يبيتون لهذا الوطن، فقط هم يعملون بقاعدة التقية وازدواجية الخطاب وهي من أساسيات اشتغال التنظيمات السياسية الدينية السرية والعلنيّة.
ـ كيف تقرأ تصريح راشد الغنوشي الأخير الذي قال إنّ ميليشيات فجر ليبيا هي خط الدفاع الأول عن تونس ضد داعش؟
تصريح رئيس حركة النهضة حول اعتبار مليشيات « فجر ليبيا» هي خط الدفاع الأول عن تونس ضد خطر زحف الدواعش هو منطقي لحليف يدافع عن حليفه.
فلنتذكر أن «فجر ليبيا» هو تحالف مليشيات تكوّن سنة 2014 أهمها مليشيا مصراطة والجماعة الاسلامية وهي فرع من فروع الإخوان والتي يرأسها عبد الحكيم بالحاج صديق النهضة والغنوشي وطبيعي إذن أن يتضامن التابعون لذات التنظيم والمتحدون على ذات الغايات. والحال انّ جماعة «فجر ليبيا» المسيطرة على جهة الغرب الليبي ومتخذة طرابلس عاصمة لها غير معترف بها دوليا لأنها تمردت على اختيارات الليبيين في انتخاباتهم الأخيرة، ثمّ أن الدواعش الذين نزلوا بسرت ويبدو أنهم دحروا منها أخيرا، في ماذا يختلفون عن جماعة عبد الحكيم بالحاج ؟ فقط الولاء إما لجماعة القاعدة بقيادة الظواهري أو جماعة الدولة الإسلامية (داعش) بقيادة البغدادي...
كلّ هذه التنظيمات الاسلامويّة غايتها واحدة هي إرساء «الدولة الإسلامية» وتطبيق الشريعة.
 الاختلاف فقط في الأسلوب وفي التكتيك وفي درجة التعجّل للوصول للغاية. دعوة الغنوشي تخفي ضرورة جرّ الحكومة التونسية للاعتراف بالحليف الاخواني في ليبيا وإقحام الدولة التونسية في صراعات المجموعات الليبية والتي لن تلحق تونس منها إلا الدمار وتحويل بلادنا إلى ساحة تصفيات متبادلة بين تلك الأطراف وإقحامنا في معارك نحن في غنى عنها .
ـ ما هو تعليقك على تسليم السلطات التونسية الليبي وليد القليب إلى بلده، ألا ترى أن الدولة التونسية «رضخت» لابتزاز بعض الأطراف المحسوبين على فجر ليبيا أو حكومة طرابلس، وما هي برأيك انعكاسات ذلك على تونس؟
وان كان موقف الحكومة التونسية فعلا صعبا في التعامل مع هذه القضية خاصة وان ليس هنالك سلطة فعلية في ليبيا وانّ تونسيين مخطوفون ورهائن عند إحدى المليشيات، في تقديري فانّ الحكومة التونسية خضعت فعلا للابتزاز وكان من الأحسن سحب تمثيلياتنا القنصلية من طرابلس كما طبرق كما فعلت مصر والجزائر لأن الباب مفتوح على ابتزازات جديدة.
وقد كنت كتبت بعد إطلاق سراح الإرهابي «وليد لقليّب» أنّنا نترقب أن يقوم إخواننا المجاهدون في « أنصار الشريعة « وفي « فجر ليبيا» وفي «دولة الخلافة»... بفكّ أسر إخوانهم من «المجاهدين» في سجون» الطاغوت التونسية». بما أنّ هنالك حوالي 1000 إرهابي في السجون في تونس يترقبون المحاكمة، يكفي النسج على منوال»أنصار القليّب» واختطاف دبلوماسيين تونسيين مرة أخرى في ليبيا أو السودان أو موريطانيا أو في مصر...
ـ كيف ترى وجود ونشاط حزب التحرير في تونس؟
 هذا الحزب  الموجود في تونس منذ ثمانينات القرن الماضي وحوكم أفراده عديد المرات أعطته حكومة حمادي الجبالي الاخوانية التأشيرة في 17 جويلية 2012 لتوسيع قاعدة  جماعات الإسلام السياسي الحليفة في تونس وذلك ضد منطوق المرسوم عدد87  المتعلق بتنظيم الأحزاب والمؤرخ في 24 سبتمبر 2011 والذي يشترط في فصله الثاني للاعتراف بأي حزب سياسي إلزامية ذاك الحزب باحترام «مبادئ الجمهورية وعلوية القانون والديمقراطية» .
 والحال أن هذا الحزب أو الأصح هذا الفرع من حزب التحرير الدولي الذي أسسه تقي الدين النبهاني سنة 1953 بالقدس، لا يعترف بالديمقراطية ويعتبرها كفرا ولا يعترف بالدستور ولا بالجمهورية ويحلم بإعادة بعث «الخلافة الإسلامية» في «دار الإسلام».
فهو تنظيم أصولي سلفي ويخلق جوّا الكراهية والعنف والتمرد على «الدولة الوطنية» وعلى «دستورها» وعلى رايتها ورموزها، علاوة على انه فرع من تنظيم دولي كما هو الحال لحركة «النهضة» التي هي فرع من تنظيم الإخوان العالمي. ولذا دفاعا عن الجمهورية وعن تونس وطننا وعن قيم الديمقراطية على أحرار تونس ووطنييها العمل على حلّ هذا التنظيم وأشباهه من الأحزاب الدينية .
ـ ما هو الفرق بين التنظيمات الدينية السياسية في تونس كحزب التحرير وتنظيم داعش الإرهابي؟
في العام لا فرق بينها من حيث غاياتها والمغزى من وجودها. فقط الفرق في مساراتها التاريخية وفي ولاءاتها الدولية وفي تمويلها وربما في هيكلتها ودرجة التشدد عندها وهي تفاصيل ثانوية. كلها تنظيمات أصولية ترى انّ إصلاح وضع المسلمين في القرن الواحد والعشرين لا يكون إلا بما صلح به أسلافهم وبطريقة سحرية والقفز على التاريخ وتراكماته.
يريدون العودة بالشعوب الإسلامية للقرون الوسطى وان ركب الحكام الطائرات وسكنوا القصور واستعمل الأتباع الهاتف المنقول والحاسوب...الإسلام هو الحل والخلافة أو الدولة الإسلامية هي الخلاص. هذا ما يعلنونه دون كلل. لا فرق بينها إلا في القدرة  على التخفي .
فالأحزاب الدينية في تونس من النهضة وحزب التحرير ومرورا بأخواتهما من مشتقات الدواعش ومفرزاتها العديدة كلها تؤمن بنفس المنطلقات وتهدف إلى ذات الغاية : بناء الدولة الدينية، سمّوها جمهورية إسلامية أو دولة الخلافة أو إمارة عقبة أو مملكة سليمان...كلها تريد إرجاع عجلة التاريخ إلى الخلف...
 الفرق فقط في التكتيك وفي صبر البعض وتعجّل الآخر لتحقيق الغاية وبناء دولتهم وإحكام السيف في رقاب مخالفيهم ليس فقط من الحداثيين بل من الفرق الدينية ذاتها التي تختلف معهم...
ـ كيف تصنفون العمليات الإرهابية الأخيرة في تونس والتحذيرات الجزائرية من ضربات جوية ستستهدف تونس خلال شهر رمضان من قبل داعش ليبيا؟
دون ادعاء التخصص في الأمن الشامل ولا في الإرهاب ، كما يدعي البعض، أرى أن العمليتين الإرهابيتين الأخيرتين في سيدي بوزيد وجندوبة هي مواصلة لما دخلته البلاد من استهدافها من التنظيمات الإرهابية ولعلّ الأيام القادمة، وهذا ما لا نتمناه ، تفاجئنا بعمليات أخطر خاصة أن هذه الجماعات الإرهابية تعتقد انّ موتها «استشهادها» في رمضان أجره مضاعف وليس لنا الاّ أن نضمّ صوتنا للمنادين بضرورة الحذر وتحمل مسؤوليتنا كمواطنين تجاه وطننا لمساعدة جهاز أمننا وجيشنا للتصدي للعناصر الإرهابية  وكشف أوكارها وتحركاتها.
أمن الوطن مسؤولية الجميع وعلى الحكومة ان تكون لها من الجرأة السياسية ما تكفي لتقطع التمويل المالي عن هذه التنظيمات وتضرب التهريب ومن كان وراءه من بارونات وتكشف للتونسيين المتورطين في الإرهاب قديما وحديثا ومهما علا شأنهم لتكسب ثقة الناس وتحظى بدعمهم في الحرب على الإرهاب.
-  برأيك ما هي السبل الكفيلة لإنقاذ البلاد من خطر الإرهاب الذي يتربص بها من مختلف النواحي؟
الإرهاب كما هو بائن للجميع يجب أن تكون معالجته شاملة  سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتجفف التربة التي ينمو فيها ويترعرع ( الفقر المادي والفقر الثقافي والفكري ) وقطع التمويل العقائدي والمالي عليه ( المحلي والدولي ) والجرأة السياسية المباشرة في الضرب بقوة على أيدي المتورطين في الإرهاب بالتسويغ له وترويج أفكاره أو من الحاملين للسلاح في مجموعاته.
والتعامل بالجدية المطلقة مع العائدين من بؤر الإرهاب وخاصة من سوريا  والعراق لأنهم يمثلون رؤوس حربة للإرهاب وقنابل ستنفجر في وجه الجميع. يجب التعامل مع الإرهابيين بمنطق العقاب والإصلاح كذلك بالتشغيل والتأطير وإعادة التأهيل الذهني والثقافي والديني لكن في مؤسسات خاصة وتحت إشراف وزارات العدل والدفاع والداخلية. الاستسهال مع من قتل وعذّب واغتصب وسلب الناس لن تكون عواقبه إلا وخيمة، فالسذاجة عند الفرد كما الشعوب ثمنها غال.
ـ كيف يستقرئ المؤرخ عميرة الصغير مستقبل تونس؟
 ما نتمناه لوطننا تونس هو أن تندرج فعلا في مسار بناء دولة ديمقراطية ومدنية، حداثية وعادلة، لكن ما يعرفه أي عاقل هو أنّ حياة الأفراد كما حياة الشعوب لا تحددها الأماني ولا الابتهالات، هي صراعات وتضحيات ومسؤوليات من الذين يحكمون ومن الشعوب ذاتها .التاريخ ليس لا تفاؤلا ولا تشاؤما، هو معطيات ووقائع وقوانين وارادات .
 لذا نقول ان مستقبل تونس مفتوح على كل الفرضيات والحقيقة أن وطننا راكم العديد من المقدرات في بنيته الثقافية وفي بنيته البشرية يستطيع الارتقاء بحاله نحو الأفضل على شرط أن تتحلى نخبه بالقدر الكافي من الوطنية والصدق وحب الخير والاقتناع بأمور بديهية في صناعة نهضة الشعوب وهي العمل والعمل و الحرية.والبقية خطاب الفراغ وتشريع الجهل والتخلف.

حاورته: منارة تليجاني